فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

أولئك الذين ليس لهم- اليومَ- توفيق بأعمالهم، ولا غدًا تحقيق لآمالهم، وما ذلك إلا لأنهم فقدوا في الدارين نصرتنا، ولم يشهدوا عِزَّنا وقدرتنا. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور:

قال رحمه الله:
وجيء باسم الإشارة في قوله: {أولئك الذين حبطت أعمالهم} لأنّهم تميّزوا بهذه الأفعال التي دلت عليها صِلاتُ الموصول أكملَ تمييز، وللتنبيه على أنّهم أحِقَّاءِ بما سيخبر به عنهم بعدَ اسم الإشارة.
واسم الإشارة مبتدأ، وخبره {الذين حَبِطتْ أعمالهم}، وقيل هو خبر (إنّ) وجملة {فبشرهم بعذاب أليم} وهو الجاري على مذهب سيبويه لأنّه يمنع دخول الفاء في الخبر مطلقًا.
وحَبَط الأعمالِ إزالةِ آثارها النافعة من ثوابٍ ونعيم في الآخرة، وحياةٍ طيّبة في الدنيا، وإطلاق الحَبَط على ذلك تمثيل بحال الإبل التي يصيبها الحَبَط وهو انتفاخ في بطونها من كثرة الأكل، يكون سبب موتها، في حين أكلت ما أكلت للالتذاذ به.
وتقدم عند قوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيَمُت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} في سورة البقرة (217).
والمعنى هنا أنّ اليهود لما كانوا متديّنين يَرجون من أعمالهم الصالحة النفعَ بها في الآخرة بالنجَاة من العقاب، والنفع في الدنيا بآثار رضا الله على عباده الصالحين، فلمّا كفروا بآيات الله، وجحدوا نبوءة محمد، وصوّبوا الذين قَتَلوا الأنبياء والذين يأمرون بالقسط، فقد ارتدُّوا عن دينهم فاستحقّوا العذاب الأليم، ولذلك ابتُدئ به بقوله: {فبشرهم بعذاب أليم}.
فلا جرم تَحْبَطُ أعمالهم فلا ينتفعون بثوابها في الآخرة، ولا بآثارها الطيّبة في الدنيا، ومعنى {وما لهم من ناصرين} ما لهم من ينقذهم من العذاب الذي أنذروا به.
وجيء بمن الدالة على تنصيص العموم لئلاّ يترك لهم مدخل إلى التأويل. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ}.
إنهم الذين كفروا بآيات الله، وقتلوا النبيين بغير حق، وقتلوا الذين أمروا بالقسط بين الناس، هؤلاء لهم العذاب، ولهم أيضا حبط العمل في الدنيا والآخرة، وكذلك من نهج نهجهم، ومعنى {حبطت} أي لا ثمرة مرجوة من العمل، إن كل عمل يعمله العاقل لابد أن يكون لهدف يقصده، فأي عمل لا يكون له مقصد يكون كضربة المجنون ليس لها هدف. إن العاقل قبل أن يفعل أي عمل ينبغي أن يعرف الغاية منه، وما الذي يحققه من النفع؟ وهل هذا النفع الذي سوف يحققه هو خير النفع وأدومه، أو هو أقل من ذلك؟
وعلى ضوء هذه المقاييس يحدد العاقل عمله، وحينما يقول الحق: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} فهو سبحانه يريد أن يخبرنا أن إنسانا قد يفعل عملا هو في ظاهره خير، فإياك أن تغتر أيها المؤمن بأنه عَمِلَ خيرا. لماذا؟ لأن عمل الخير لا يحسب للإنسان إلا بنية إيمانه بمن يجازى فالإنسان إن عمل عملا قد تصلح به دنياه فهو عمل حسن، فلماذا يكون عمل هؤلاء حابطا في الدنيا، وفي الآخرة؟ أنه حابط بموازين الإيمان ويكون العمل حابطا لأنه لم يصدر من مؤمن، لأن ذلك الإنسان قد عمل العمل ثقة بنتيجة العمل، لا ثقة بالأمر الأعلى.
إن الإنسان المؤمن حين يقوم بالعمل يقوم بالعمل ثقة في الأمر الأعلى. وبعض من الناس في عصرنا يأخذون على الإسلام أنه لا يجازي الجزاء الحسن للكفرة الذين قاموا بأعمال مفيدة للبشرية. يقوم الواحد منهم: هل يعقل أحد أن باستير الذي اكتشف الميكروبات، والعالم الآخر الذي اكتشف الأشعة، وكل هؤلاء العلماء يذهبون إلى النار؟ ولهؤلاء نقول: نعم، إن الحق بعدالته أراد ذلك، ولنتقاض نحن وأنتم إلى أعراف الناس. إن الذي يطلب أجرا على عمل يطلبه ممن؟ أنه يطلب الأجر ممن عمل له. فهل كان الله في بال هؤلاء العلماء وهم يفعلون هذه الأعمال؟ إن بالهم كان مشغولا بالإنسانية، وقد أعطتهم الإنسانية التخليد، وغير ذلك من مكاسب الدنيا، وينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أول الناس يُقْضَى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال؛ فاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جرئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار، ورجل تعلّم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن، ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار، ورجل وسّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار».
إذن فإذا كان الجزاء من الله، فلنا أن نسأل: هل كان الله في بال هؤلاء العلماء حينما أنتجوا مخترعاتهم؟ لم يكن في بالهم الله. والذي يطلب أجرا، فهو يطلبه ممن عمل له. ولم يُضع الله ثمرة عملهم، بل درت عليهم أعمالهم الذكر والجاه والرفعة. لم يضع الله أجر من أحسن عملا.
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20].
وقد قلت لكم قديما: تذكروا المفاجأة التي تحدث لمن عمل عملا هو في ظاهره خير، ولكن لم يكن ربه في باله، هذا ينطبق عليه قول الحق: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَالله سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
إنه يفاجأ بوجود الله، ولم يكن هذا الإله في باله ساعة أن قام بهذا العمل الذي هو في ظاهره خير، كأن الله يقول لصاحب مثل هذا العمل: أنا لم أكن في بالك ساعة أن قمت بهذا العمل، فخذ جزاءك ممن كان في بالك.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} إن أعمالهم حبطت في الدنيا، لأنهم قد يعملون عملا يراد به الكيد للإسلام، لذلك لا يمكنهم الله من ذلك، بل يخذلهم جميعا. وانتصر دين الله رغم قلة العُدّة. وليس لهؤلاء ناصرون. أي ليس لهم من يأتي ويراهم مهزومين أمام خصم لهم وينجدهم إنهم لن يجدوا ناصرا إذا هزمهم الله، فليس مع الله أحد غيره. وبعد ذلك يقول الحق: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذابًا يوم القيامة؟ قال: «رجل قتل نبيًا، أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف». ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} إلى قوله: {وما لهم من ناصرين} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيًا أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة رجل وسبعون رجلًا من عباد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعًا من آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكر الله».
وأخرج ابن أبي الدنيا فيمن عاش بعد الموت وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: بعث عيسى يحيى في اثني عشر رجلًا من الحواريين يعلمون الناس، فكان ينهى عن نكاح بنت الأخ، وكان ملك له بنت أخ تعجبه، فأرادها وجعل يقضي لها كل يوم حاجة فقالت لها أمها: إذا سألك عن حاجتك، فقولي: حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا فقال الملك: حاجتك...؟ قالت حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا. فقال سلي غير هذا. قالت: لا أسألك غير هذا. فلما أبت أمر به فذبح في طست، فبدرت قطرة من دمه فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر، فدلت عجوز عليه فألقى في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم، فقتل في يوم واحد، من ضرب واحد، وسن واحد، سبعين ألفًا فسكن.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن معقل بن أبي مسكين في الآية قال: كان الوحي يأتي بني إسرائيل فيذكرون قومهم ولم يكن يأتيهم كتاب فيقتلون، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون. فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} قال: هؤلاء أهل الكتاب. كان أتباع الأنبياء ينهونهم ويذكرونهم بالله فيقتلونهم.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: أقحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل فقال الملك: ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه فقال له جلساؤه: كيف تقدر على أن تؤذيه أو تغيظه وهو في السماء؟ قال: اقتل أولياءه من أهل الأرض، فيكون ذلك أذى له. قال: فأرسل الله عليهم السماء.
وأخرج ابن عساكر من طريق زيد بن أسلم عن ابن عباس في قول الله: {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم} قال: الذين يأمرون بالقسط من الناس ولاة العدل، عثمان وأضرابه.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (23):

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان من المعلوم أن ثبات الأعمال وزكاءها إنما هو باتباع أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأمر الذين ورثوا العلم عنه دل على ما أخبر به من الحبوط وعدم النصر بما يشاهد من أحوالهم في منابذة الدين فقال: {ألم تر} وكان الموضع لأن يقال: إليهم، ولكنه قال: {إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} ليدل على أن ضلالهم على علم، وأن الذي أوتوه منه قراءتهم له بألسنتهم وادعاء الإيمان به.
وقال الحرالي: كتابهم الخاص بهم نصيب من الكتاب الجامع، وما أخذوا من كتابهم نصيب من اختصاصه، فإنهم لو استوفوا حظهم منه لما عدلوا في الحكم عنه ولرضوا به، وكان في هذا التعجيب أن يكون غيرهم يرضى بحكم كتابهم ثم لا يرضون هم به- انتهى.
{يدعون إلى كتاب الله} أظهر الاسم الشريف ولم يقل: إلى كتابهم، احترازًا عما غيروا وبدلوا ولأنهم إنما دعوا إلى كتاب الله الذي أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام، لا إلى ما عساه أن يكون بأيديهم مما غيروا- نبه عليه الحرالي.
وفيه أيضا إشارة إلى عظيم اجترائهم بتوليهم عمن له الإحاطة الكاملة {ليحكم بينهم} قال الحرالي: في إشعاره أن طائفة منهم على حق منه، أي وهم المذعنون لذلك الحكم الذي دعي إليه- انتهى.
ولما كان اتباعه واجبًا واضحًا نفعه لمن جرد نفسه عن الهوى عبر عن مخالفته بأداة البعد فقال: {ثم} وقال الحرالي: في إمهاله ما يدل على تلددهم وتبلدهم في ذلك بما يوقعه الله من المقت والتحير على من دعي إلى حق فأباه، وفي صيغة يتفعل في قوله: {يتولى} ما يناسب معنى ذلك في تكلف التولي على انجذاب من بواطنهم لما عرفوه وكتموه، وصرح قوله: {فريق منهم} بما أفهمه ما تقدم من قوله: {ليحكم بينهم} فأفهم أن طائفة منهم ثابتون قائلون لحكم كتاب الله تعالى، وأنبأ قوله المشير إلى كثرة أفراد هذا الفريق {وهم معرضون} بما سلبوه من ذلك التردد والتكلف، فصار وصفًا لهم بعد أن كان تعملًا، ما أنكر منكر حقًا وهو يعلمه إلا سلبه الله تعالى علمه حتى يصير إنكاره له بصورة وبوصف من لم يكن قط علمه- انتهى.
وفي هذا تحذير لهذه الأمة من الوقوع في مثل ذلك ولو بأن يدعى أحدهم من حسن إلى أحسن منه- نبه عليه الحرالي وقال: إذ ليس المقصود حكاية ما مضى فقط ولا ما هو كائن فحسب، بل خطاب القرآن قائم دائم ماض كلية خطابه في غابر اليوم المحمدي مع من يناسب أحوال من تقدم منهم، وفي حق المرء مع نفسه في أوقات مختلفة- انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما نبّه على عناد القوم بقوله: {فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ} [آل عمران: 20] بيّن في هذه الآية غاية عنادهم، وهو أنهم يدعون إلى الكتاب الذي يزعمون أنهم يؤمنون به، وهو التوراة ثم إنهم يتمردون، ويتولون، وذلك يدل على غاية عنادهم. اهـ.

.سبب النزول:

قال الفخر:
ذكروا في سبب النزول وجوهًا:
أحدها: روي عن ابن عباس أن رجلًا وامرأة من اليهود زنيا، وكانا ذوي شرف، وكان في كتابهم الرجم، فكرهوا رجمهما لشرفهما، فرجعوا في أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رجاء أن يكون عنده رخصة في ترك الرجم فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بالرجم فأنكروا ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: «بيني وبينكم التوراة فإن فيها الرجم فمن أعلمكم؟» قالوا: عبد الله بن صوريا الفدكي فأتوا به وأحضروا التوراة، فلما أتى على آية الرجم وضع يده عليها، فقال ابن سلام: قد جاوز موضعها يا رسول الله فرفع كفه عنها فوجدوا آية الرجم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما فرجما، فغضبت اليهود لعنهم الله لذلك غضبًا شديدًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والرواية الثانية: أنه صلى الله عليه وسلم دخل مدرسة اليهود، وكان فيها جماعة منهم فدعاهم إلى الإسلام فقالوا: على أي دين أنت؟ فقال: على ملة إبراهيم، فقالوا: إن إبراهيم كان يهوديًا فقال صلى الله عليه وسلم: «هلموا إلى التوراة» فأبوا ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والرواية الثالثة: أن علامات بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مذكورة في التوراة، والدلائل الدالة على صحة نبوّته موجودة فيها، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوراة، وإلى تلك الآيات الدالة على نبوّته فأبوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى أنهم إذا أبوا أن يجيبوا إلى التحاكم إلى كتابهم، فلا تعجب من مخالفتهم كتابك فلذلك قال الله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93] وهذه الآية على هذه الرواية دلّت على أنه وجد في التوراة دلائل صحة نبوّته، إذ لو علموا أنه ليس في التوراة ما يدل على صحة نبوّته لسارعوا إلى بيان ما فيها ولكنهم أسروا ذلك.
والرواية الرابعة: أن هذا الحكم عام في اليهود والنصارى، وذلك لأن دلائل نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم كانت موجودة في التوراة والإنجيل، وكانوا يدعون إلى حكم التوراة والإنجيل وكانوا يأبون. اهـ.